ادْفنُ رَاسِي فِيْ رُدهَاتِ قَمِيِصُك ..
وَ..
اسْتَنشِق بِعُمْقِ بَقَايَا أنْفَاسُك..
هَذَا العِطْر..
الّذِي يَأخُذَنِي
يَنْتَزُعَنِي مِنْ بَيْنِ أصْدِقَائِي
يُقْلعَ بي فِيْ رِحْلَتِي إلى حَيثِ أنْت
هَذَا العِطْر..
هُوَ كُلُ مَا تَبَقىَ لِيّ!!
ذَاتَ يَوّم قَرَأتْ لِيِّ عَجُوزَاً فِيْ القَاهِرةِ كَفْيّ..
قَالَت:
(لَا يَجْتَمِع فِي الأنْثَى الجَمَالِ والحَظِ السَعِيّد)
ابْتَسَمتُ..
بَل ضَحكْت لِكَي اُخْفِي بِفَشَلِ وَقَعِ كَلِمَاتهَا عَلَي يَقِيِنِي!!
التَفَتُ إلَى صَدِيقَتِي وَقُلتُ:
"كَذَبَ المُنَجِمُوّنَ وَلَوّ صَدَقُوا"
وَمَضِيّت..!
أمْضِيّ وَ أنَا أحْمِلُكَ فِي حَقِيَبَتِي،
وَ أجُوْبّ بِكَ مَيْدَانِ رَمْسِيِس.
ألْقِيّ بِرَأسِي عَلَى المِقْعَدِ ،وَبِعُمْقٍ أتَنَهْدِ..
بِعُمْقِ..
إلَى أنْ يَرْتَفِعَ قَمِيصِي الحَرِيرِي عَنْ ذَاكَ القَفَصِ الّذِي يَحْبِسُنِي فِيّك
أُغْمِضُ عَيِنَيَّ ،
وَ
أسْكُبَ فَي أُذَنَيِّّ
صَوْتَ عَبْد الحَلِيّم .
وَ أُتَمْتِم:
"حَبِيبِي شَايْفَك وَ أنْتَ بَعِيد
وَأنَا فْطَرِيق السُهدِ وَحِيّد
كُل خَطَوه فْبُعَدك ليّل
وَشُوق ..وَ ذِكَرى.. وَجَرح جْدِيّد.."
وَلَكِن..
أيْنَ أنْتَ مِنِيّ ..وَأيْنَ أنَا مِنْك..
شَبَابِي يَذْبُل فِي عَيِنَيِّ ،
فَلَا اسْتَطِيعَ أنْ أوْقِفَ الزَمَن!!
أيَامِي تَجْرِي مِنْ بَينِ يَدْيِّ،
وَ لَا يُمْكِنَنِي مَنْعَ هَذَا ألهَدْر!!
فَلَا أنَا بِمَجْنُوْنَةٍ كَيّ أُحَارِبَ القَدَر..
وَلَا أنَا بِسَاحِرَةٍ كَيّ أوْقِفَ العُمُر..!!
حبيبي..
ألَسْنَا أوْلَىَ بِهَذِه الأيَامِ مِنْ الألَمِ؟
ألَسْنَا أحَقُ بِهَذِا السَهَر مِنْ لَيَالِيِّ الْهَمِ؟
ألَسْنَا عَاشِقَيّن كَكُلِ العَاشِقِيّن ؟
يَحِقُ لَنَا أنْ تَنَسَكَعَ فِيْ أيِّ شَاَرِعٍ..
وَنَلتَقِي فِيْ أيِّ حَانَةٍ..
فِيْ مَوَاسِمِ الخَرَيِفِ ،
أوْ تَحْتَ جُنُونِ المَطَر..!!
.
.
.
ذَاتَ مَسَاء..
عَلَى كُوبرِي سِتة أكْتُوبَر..
كُنْتُ أتََدَثَرُ بِرِدَائِي..
وَأمْشِى عَلَى ذَلِك الرَصِيفِ الرَمَادِّي..
أتَعَثَرُ بِذِكْرَايَاتِي،
أرَى كُل عَاشِقِيِّن ..أثْنَيِّنْ أثْنَيِّن..
وَأنَا وَحِيَدة ..!!
مَكَانُك بِرُوحِي خَاوٍ..
تَعّوِِيِّ فِيِهِ رِيَاحُ الآسَىَ..!!
يَأكُلَنِي الْهَمُ مُتَفَرِدَاً بِي..
يَرْمقُنِي الجَمَيِع..
يَالِ هَذِهِ المَرَأةِ الحَزِينَة!!
نَظَرَاتِهم تَقْتُلَنِي ..عُيُونَهُم تَسْألُنِي :
أيْنَ هُوَ؟؟ أيْنَ هُوَ؟؟
لَا امْلكُ سِوَى أنْ أرْسُمَ ابْتِسَامَةً صَفْرَاء كَاذِبَة عَلَى مُحَيْاَيِّ الحَزِينِ،
وَ أعوُد لِأتَعَاطَى جُرعَةً أُخرَى فِيْ دَمِيِّ مِنْ صُوتِ عَبْد الحَلِيّم
"فِيْ سِكةِ زَمَان رَاجْعِيِّن..
فِيْ نَفسِ المَكَان ضَايِعِيِّن..
لَا جرَاحنَّا بِتِهَدَا يَا ألَبِيِّ..
وَلَا نْنسَى اللِي كَانْ يَا ألَبِيِّ.."
أُغمِضُ عَيِنَيَّ...
افْتَحُ مُتَنَفْس للهَوَاء لِكَيّ يَتَخَلل صَدْرِي مُرُورَاً إلَى قَلْبِي.
تَنَفَس.. تَنَفَس أيّهَا القَلْب..
تَنَفْس بِهَوَاءِ القَاهِرَةِ،
بِرَائِحَةِ بَائِعِ "الترمس " وَعُقُودِ اليَاسَمِيْن..
تَنَفَس بِذِكْرَيَاتِ تِلكَ الَليَلَةِ الَتِي سَرَقنَاهَا مِنْ صُندُوقِ الزَّمَنْ.
هُنَا عَلَى الرَصِيفِ ذَاتِهِ..عَلَى الجِسرِ ذَاتِهِ..
كَانَ يُغَطِينّا الَليّل،وَيَغَارُ مِنَّا النِيل..
كُنَّا أثْنَيَِّن،كُنَّا عَاشِقَيِّن..
وَ صَوت العَنْدَلِيب..
وَ أغنِيَات الحَنِيّن..
"وَ أول مَرَه تِحب يَا ألبِي وَ أول يَومَ أتَهَنَى
يَا مَا عَلَى نَارِ الّحُبِ قَالوا لِيّ وَلقِيت هَمَي الجَنَه
اضْحَك وَ أملَا الدُنَيَا أمَانِي..
لَا أنَا ..وَلَا أنْتَ .. حَ نِعْشَق تَانِي"
حِينَمَا تَخذِلَنِي عُيُونِي...أُغلِقَ مِعطَفِي ..
واشُدّ أحْكَامَ حِزَامِي عَلَى رَائِحَةِ الذِكرَيَاتِ ،
وَ أحمِلُهَا مَعِي إلَى الفُنْدُق .
أُخرِج قَمِيصُك مِنْ بَيّنِ أشْيَائِي وَ أُلَثِمَهُ طَوِيَلاً..
أُبَلِلَهُ بِدُمُوعِي..
أسْقِيِهِ... لِكَي لَا يَذْبُلَ..
أرْوِيه... لِكَي لَا يَمُوتَ..
بَل يَجِب أنْ يَبْقَىَ نَابِضَاً .. دَاَفِئَاً..
يَقْتَسِمَ الحَيَاةَ مَعَ رُوحِي الَتِي بَيّنَ جَنْبَيّ..
كَالصَوتُ الّذِي لَا يَغِيْب..
كَصَوتِ العَنْدَلِيب..
"وَأمَانَه يَا دُنِْيَا أمَانَه..
تِدَاوِينَا مِنْ جَرحِ هَوَانَا..
وَتَخلِي الّحبِ بَعِيّد عَنّا..
وَلَا نِستَنَّاه وَلَا يَسْتَنَّى.."
.
.
.
.
فِيمَا بَعْد.،،
أيْقَنتُ أنَّ العَجُوزَ الشَمْطَاءَ اسْتَقَت مَقُولَتهَا مِنْ تَجَارِبِ الجَمِيلَاتِ ..
وَ أيْقَنتُ أنَّ العَنْدَلِيبَ لَيسَ مِنْ عَدَادِ الأمْوَاتِ ..
وَ أيْقَنتُ أنَّ هَذِهِ الرِسَاَلةَ لَنْ تَصِل إلَيّك أبَداً..
لِأنَّكَ مَفْقُودٌ.. مَفْقُودٌ ... مَفْقُود
رَغْمَ كُلّ المُحَاوَلَات..!!